م. محمد سعد البنا

مستشار أول – كايزن للاستشارات

في عالم اليوم يصبح عدم التيقن (Uncertainty) عدواً كبيراً لمنظماتنا حين يتم تجاهله أو التعامل معه بتهاون!

وإن كان أخذ ذلك في الاعتبار لم يعد مثار جدل كبير في عالمنا اليوم مع التطور المتسارع في علوم الدراسات المستقبلية والاستشراف، وإدارة المخاطر، وتقنيات التحليلات التنبؤية الاستباقية الموجِّهة لصناعة القرار!

قد يكون التحدي الأكبر أمام منظماتنا في حضور العقل الاستراتيجي الذي يمتلك القدرة على المواءمة وصناعة التغيير!

منذ ما يقارب ثلاثة عقود – وهو كل ما أملكه من عمري المهني – لا زلت أذكر حجم المعاناة التي عانى منها الاستراتيجيون الأوائل حيناً من الدهر في بيئات عمل تعيش اليوم بيومه ولا تفكر فيما هو أبعد من إنفاذ أمر الإنتاج الذي يردها من عملائها! وعانوا كذلك في إقناع أولئك القادةِ المنغمسين بالتشغيل وردود الأفعال عن التفكير في المستقبل!

وفى عالمنا اليوم لم تعد فكرة الاستراتيجية في حد ذاتها تحدياً كبيراً! حيث تضخمت الفكرة وانتشرت ثقافة التخطيط والأداء الاستراتيجي بما يكفي لتغري العديد من الأجيال الجديدة للولوج إليها مباشرةً دون عناء التعامل المسبق مع شحوم ماكينات التصنيع وألسنة اللهب الناتجة عن أفران معامل التشغيل!

“غير أن الانتشار الواسع لثقافة التخطيط الاستراتيجي على مدار السنوات العشر الماضية يبدو أنه ضاعف معاناة المنظمات مع تزايد عدم اليقين البادي للمستقبل القريب والمتوسط!”

إذ حرصت أغلب مدارس التخطيط الاستراتيجي الموجَّهة بمخرج أساسي اسمه: (الخطة الاستراتيجية) على نمذجة أعمالها للمستوى الذي لم يترك فيها فسحةً معقولةً من المرونة والسرعة اللازمتين للمواءمة مع تأثيرات عدم اليقين!

إنه لأمر محبط حقاً حين تعرف أن خططنا الاستراتيجية صارت محضَ مشروعٍ يركز على مخرجاتٍ محددةٍ ولا يدع مجالاً للشكِّ وعدمِ اليقينِ في أنَّ المستقبلَ قد يحمل أثقالاً جساماً صادمةً لأكثر أنواع الخطط الاستراتيجية دقةً وإحكاماً!

وغني عن القول إن مجموعةً ليست قليلةً من قادة منظماتنا الغيورين -تعاملت مع بعضهم عن قرب- باتوا غير مقتنعين بجدوى ما يسمى (التخطيط الاستراتيجي)!

ولعل واحداً من أهم أسباب ذلك أنه حين نخطط بمعلومات الماضي والحاضر ولا نراعي التأثيراتِ المحتملة لعدمِ اليقين من فرصٍ وتحدياتٍ مستقبلية؛ فإننا نتسبب من حيث ندري أو لا ندري في إهدار الموارد وتبديد الطاقات، وهو بالتأكيد ما لا يرضي القادة والحكماء على كافة المستويات!

وكما اعتدتُ في كل مرةٍ فإني أدعو شركاء الهمِّ والهمَّة للتأمل وإعادة النظر لعلنا نصل إلى كلمة سواء!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *