التآكل البطيء للإنجاز

د.أحمد المليكي
مستشار تنفيذي
اعتمد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سبيلًا كاد أن يميزه عن غيره؛ حيث لم يكتفِ بمعرفة الخير، بل كان يسأل عن الشر؛ بغية الحذر من الوقوع فيه.
هذه المقاربة قد نستفيد منها على الجانب الفردي أو المؤسسي؛ حيث لا ينبغي أن يقتصر النظر على النجاحات، بل يشمل ملاحظات الأخطاء وجوانب القصور، واستشراف المخاطر، حتى في أوج لحظات الازدهار.
…
التحسين المستمر مقابل التدهور المتراكم:
وكما أَنَّ التحسين اليومي مهما كان صغيرًا؛ يؤدي في النهاية إلى نجاحات متراكمة، ويعزز قوة الفرد أو المؤسسة، فقد يؤدي إهمال الأخطاء المتكررة، ولو كانت صغيرة؛ إلى تآكل تدريجي للمنجزات، وقد لا يكون ملحوظًا في البداية، وخاصة في أثناء نشوة النجاح، لكنه يُعَدُّ كارثيًّا عند بلوغه نقطة الانهيار.
…
فأرة سد مأرب:
تروي الأساطير أن سبب انفجار سد مأرب، كان في نخر جدرانه العظيمة من قبل فأرة، وما عسى فأرة أن تحدث في جدران سد يحجز ملايين الأطنان من الماء، لكن بالاستمرار أدى نخر الفأرة إلى تصدع الجداران، وانفجر السد ليحدث سيل العرم الذي بدد مملكة بأكملها.
فالشرور العظمى تبدأ غالبًا من تفصيل صغير يُهمل، ويؤيد هذه الأسطورة مفهوم “تأثير الفراشة”؛ حيث يؤدي خلل بسيط في النظام إلى تداعيات كارثية على المدى البعيد.
…..
جذور الفشل التدريجي :
ثمة أوهام وأخطاء ذهنية وسلوكية تؤدي إلى الوهن والانهيار على المستوى الفردي والمؤسسي، منها:
أولًا- وهم الامتلاء بالمعرفة
هو ما يُعرف بـتحيز التأكيد؛ حيث يظن الفرد أَنَّهُ يعلم كل شيء، ويمكنه أن يفتي في أي مسألة، ومما يزيد الطين بلة نماذج الذكاء الاصطناعي، هذا الأمر قد يدفعه إلى التوقف عن التعلم الذاتي، فيصبح عقله مغلقًا أمام المستجدات، وقد ظهر ما يسمى بالأمية الأكاديمية، بوصفها أحد مظاهر هذا الخطر.
….
ثانيًا- غرور الخبرة
وعدم الاعتماد على البيانات في تحليل الواقع، بل في الميل إلى اعتماد مقاربة القيادة بالماضي، وبالحدس الشخصي.
….
ثالثًا- السرعة وحرق المراحل
واستعجال النتائج؛ وهو ما يسبب أخطاء تكتيكية، ونتائج استراتيجية مدمرة.
….
رابعًا- سُكر النجاحات السريعة الملهية
ودخول حالة التنويم بالإنجاز، وخاصة عند سماع الكثير من المدح والثناء، وكثرة الاحتفال بما يجعل الإنجاز أكبر من حجمه الطبيعي، وقد يؤدي إلى إغفال التحديات القادمة.
….
خامسًا- ما يمكن أن تسمى بثقافة هز الرأس
والامتثال الجماعي، دون تمحيص للرأي، لو صدر من أعلى مستوى قيادي، وهذا الأمر إن كان يؤدي إلى قرارات غير مدروسة، فَإِنَّهُ يثمر خطرًا أشد؛ إذ قد يتجه الكثير إلى تقديم التحليل الرغبوي للمشكلات، ومن ثم نسعى إلى اتخاذ قرارات؛ بناءً على ما نرغب في تصديقه، بدلاً عن الواقع الموضوعي.
…
والقوة الحقيقة تكمن في ممارسة التحليل النقدي حتى في لحظات النجاح، وفي الحرص على التحسين المستمر الذي يبنى تدريجيًّا، وفي الحذر من التآكل التدريجي الذي يؤدي إلى الانهيار، خاصة إذا غذّته أوهام